سورة الكهف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}
{مَا شَاء الله} يجوز أن تكون {مَا} موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر مبتدأ محذوف تقديره: الأمر ما شاء الله. أو شرطية منصوبة الموضع والجزاء محذوف، بمعنى: أي شيء شاء الله كان. ونظيرها في حذف الجواب {لَوْ} في قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيّرَتْ بِهِ الجبال} [الرعد: 31] والمعنى: هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها الأمر ما شاء الله، اعترافاً بأنها وكلّ خير فيها إنما حصل بمشيئة الله وفضله، وأن أمرها بيده: إن شاء تركها عامرة وإن شاء خرّبها، وقلت {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} إقراراً بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها إنما هو بمعونته وتأييده، إذ لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلا بالله تعالى.
وعن عروة بن الزبير أنه كان يثلم حائطه أيام الرطب، فيدخل من شاء. وكان إذا دخله ردّد هذه الآية حتى يخرج. من قرأ {أَقُلْ} بالنصب فقد جعل أنا فصلاً، ومن رفع جعله مبتدأ وأقلّ خبره، والجملة مفعولاً ثانياً لترني. وفي قوله {وَوَلَدًا} نصرة لمن فسر النفر بالأولاد في قوله {وَأَعَزُّ نَفَراً} [الكهف: 34] والمعنى إن ترني أفقر منك فأنا أتوقع من صنع الله أن يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى، فيرزقني لإيماني جنة {خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} ويسلبك لكفرك نعمته ويخرّب بستانك. والحسبان: مصدر كالغفران والبطلان، بمعنى الحساب، أي: مقداراً قدره الله وحسبه، وهو الحكم بتخريبها وقال الزجاج: عذاب حسبان، وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك.
وقيل حسباناً مرامي الواحدة حسبانة وهي الصواعق {صَعِيدًا زَلَقًا} أرضاً بيضاء يزلق عليها لملاستها زلقاً. و{غَوْرًا} كلاهما وصف بالمصدر.


{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)}
{وَأُحِيطَ} به عبارة عن إهلاكه. وأصله من أحاط به العدوّ؛ لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه، ثم استعمل في كل إهلاك. ومنه قوله تعالى {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] ومثله قولهم: أتى عليه، إذا أهلكه، من أتى عليهم العدوّ: إذا جاءهم مستعلياً عليهم. وتقليب الكفين: كناية عن الندم والتحسر، لأنّ النادم يقلب كفيه ظهراً لبطن، كنى عن ذلك بعض الكف والسقوط في اليد، ولأنه في معنى الندم عدّى تعديته بعلى، كأنه قيل: فأصبح يندم {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} أي أنفق في عمارتها {وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} يعني أنّ كرومها المعرشة سقطت عروشها على الأرض، وسقطت فوقها الكروم. قيل: أرسل الله عليها ناراً فأكلتها {ياويلتا لَيْتَنِى} تذكر موعظة أخيه فعلم أنه أتى من جهة شركه وطغيانه، فتمنى لو لم يكن مشركاً حتى لا يهلك الله بستانه. ويجوز أن يكون توبة من الشرك، وندماً على ما كان منه، ودخولاً في الإيمان. وقرئ: {ولم يكن} بالياء والتاء، وحمل {يَنصُرُونَهُ} على المعنى دون اللفظ، كقوله {فِئَةٌ تقاتل فِي سَبِيلِ الله وأخرى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ} [آل عمران: 13].
فإن قلت: ما معنى قوله: {يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله}؟ قلت: معناه يقدرون على نصرته من دون الله، أي: هو وحده القادر على نصرته لا يقدر أحد غيره أن ينصره إلا أنه لم ينصره لصارف وهو استيجابه أن يخذل {وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً} وما كان ممتنعاً بقوّته عن انتقام الله.


{هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}
{الولاية} بالفتح النصرة والتولي، وبالكسر السلطان والملك، وقد قرئ بهما. والمعنى هنالك، أي: في ذلك المقام وتلك الحال النصرة لله وحده، لا يملكها غيره، ولا يستطيعها أحد سواه، تقريراً لقوله: {وَلَم يَكُنْ لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} [الكهف: 43] أو: هنالك السلطان والملك لله لا يغلب ولا يمتنع منه. أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى الله ويؤمن به كل مضطرّ. يعني أنّ قوله {ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} [الكهف: 42] كلمة ألجيء إليها فقالها جزعاً مما دهاه من شؤم كفره، ولولا ذلك لم يقلها. ويجوز أن يكون المعنى: هالك الولاية لله ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة وينتقم لهم، ويشفي صدورهم من أعدائهم، يعني: أنه نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن، وصدّق قوله: {عسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السماء} [الكهف: 40] ويعضده قوله {خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي لأوليائه وقيل {هُنَالِكَ} إشارة إلى الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله، كقوله {لّمَنِ الملك اليوم} [غافر: 16] وقرئ: {الحق} بالرفع والجرّ صفة للولاية والله.
وقرأ عمرو بن عبيد بالنصب على التأكيد، كقولك: هذا عبد الله الحق لا الباطل، وهي قراءة حسنة فصيحة، وكان عمرو بن عبيد من أفصح الناس وأنصحهم. وقرئ {عقباً} بضم القاف وسكونها، وعقبى على فعلى، وكلها بمعنى العاقبة.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11